الراحل خالد الناصري .. مسار سياسي ودبلوماسي حافل لقامة وطنية بارزة

و.م.ع

انتقل إلى دار البقاء خالد الناصري، وزير الاتصال الأسبق والقيادي السابق بحزب التقدم والاشتراكية، مخلفا مسارا حقوقيا وسياسيا ودبلوماسيا حافلا قوامه الوطنية الصادقة والتفاني في خدمة القضايا الكبرى للوطن.

وقدم الراحل، الذي وافته المنية، أمس الأربعاء، بعد معاناة مع المرض، خدمات جليلة للمملكة على شتى الأصعدة، وكرس حياته على مدى عقود من مساره الحافل للدفاع عن قضايا البلاد بأسلوبه المتفرد، القائم على المسؤولية والالتزام بالمبادئ في مرحلة هامة من تاريخ المغرب.

فقد تقلد الراحل طيلة مساره الحافل مسؤوليات رسمية عدة، أبرزها وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة ما بين 2007 و2012. كما كان يشغل منصب سفير المملكة بالأردن منذ سنة 2018.

أما بداياته فقد كانت من الدار البيضاء، حيث رأى النور سنة 1946، وحصل على الإجازة في الحقوق من كلية العلوم القانونية والاجتماعية والسياسية سنة 1969، قبل أن ينال شهادة الدراسات العليا في العلوم السياسية من كلية الحقوق بالرباط سنة 1970.

وبعد أن التحق بمهنة المحاماة مع بداية السبعينيات، حيث كان مسجلا بنقابة المحامين بالدار البيضاء، توقف عن ممارسة هذه المهنة سنة 1974 ليستأنف دراساته العليا بفرنسا، حيث حصل في (جامعة باريس II) على دبلوم الدراسات العليا في القانون العام سنة 1975، والتحق سنة 1976 بسلك التدريس بكلية الحقوق التابعة لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء.

وفي سنة 1984، حصل خالد الناصري على دكتوراه الدولة في القانون العام من (جامعة باريس II) بميزة حسن جدا، ثم استأنف ممارسة مهنة المحاماة من سنة 1986 إلى سنة 1996، حيث ترافع في قضايا عدة مرتبطة بالدفاع عن الحقوق والحريات.

ومن بين المحطات البارزة للراحل في العمل الحقوقي، مساهمته في تأسيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان سنة 1988 وتحمل مسؤولية رئاستها ما بين 1990 و1991.

كما انتخب الناصري، في مارس 2000، رئيسا للجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان التابعة للجامعة العربية إلى غاية 2006.

وشغل الفقيد، الذي مارس العمل الصحفي أيضا، منصب مدير المعهد العالي للإدارة بالرباط بين 1996 و2000، بعدما عينه في هذا المنصب جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني.

وللراحل خالد الناصري، الفقيه والأستاذ البارز في القانون الدستوري، مؤلفات وكتب ودراسات ومقالات علمية غزيرة في مجالي القانون العام والعلوم السياسية. كما درس القانون العام والعلوم السياسية بعدد من الجامعات الوطنية.

وعلى المستوى الحزبي، التحق الفقيد بحزب التقدم والاشتراكية سنة 1968 وانتخب عضوا باللجنة المركزية للحزب سنة 1975 وبديوانه السياسي سنة 1995. وكان أيضا من مؤسسي منظمة الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية وقادتها الأوائل.

وفي نعي خالد الناصري، كتب الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، محمد نبيل بنعبد الله، أن الراحل “أبان عن التزام قل نظيره، وحس توافقي خلاق، وشجاعة متفردة في التفكير والتعبير، مبدعا لمقولات وتصورات أساسية بالنسبة للحزب، كما بالنسبة للمشهد السياسي الوطني. وكان، رحمه الله، من أقوى المدافعين وأصدقهم عن جدلية الوفاء والتجديد، وعن التغيير في كنف الاستقرار، وعن الحل الوسط التاريخي، وعن التناوب التوافقي”.

وعن مساره النضالي والسياسي الحافل والممتد لعقود، أضاف الأمين العام للحزب أن خالد الناصري “كرس حياته من أجل الدفاع عن المصالح العليا للوطن والشعب، مؤمنا حتى النخاع بالمؤسسات وبالنضال الديموقراطي والجماهيري، حاملا لقيم الحرية والكرامة والانفتاح والحوار والتعايش. وجسد كل ذلك في المئات، بل الآلاف، من كتاباته وتدخلاته وأقواله، كما في أعماله وسلوكه وممارساته”.

وفي نعي الفقيد أيضا، قال عبد الواحد سهيل، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، ورفيق دربه، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن خالد الناصري “كان مثقفا من الطراز الرفيع وإنسانا رائعا محبا للناس وللحياة، خبرته الساحة النضالية والفكرية والجامعية، كمحام ومدافع عن حقوق الإنسان طوال حياته، وكذلك كرجل دولة ووزير وسفير”.

وفي كل هاته المهام، يضيف السيد سهيل، الذي تعرف على الفقيد في كلية الحقوق بالدار البيضاء، كان خالد الناصري “رجلا بكل معنى الكلمة، منضبطا وملتزما ومفكرا ومحاولا أن يقدم أحسن ما لديه”، مشددا على أن “تعلقه بالوطن وحبه للمغرب وللمغاربة كان يصل إلى درجة القدسية”.

وبرحيل خالد الناصري، يفقد المشهد الحقوقي والسياسي والدبلوماسي الوطني أحد رجالاته البارزين الذين قدموا خدمات جليلة للمملكة بحس عال من الوطنية، وحنكة سياسية مشهود له بها من أجل ترسيخ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وإسهام وازن في بلورة التوجهات الرئيسة للبلاد إبان تقلده شتى المسؤوليات الرسمية.