أصيلة.. خبراء يتباحثون التحولات الدولية الراهنة: إشكاليات التأقلم ومتطلبات الفاعلية

أكد باحثون مغاربة وأجانب، اليوم الأربعاء بأصيلة، أن النظام التعليمي يشكل عاملا أساسيا في دعم تنمية الدول العربية وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية.

وأجمع الخبراء، خلال أشغال الجزء الثاني من ندوة بعنوان “العرب اليوم واعباء الفراغ الاستراتيجي” في إطار الدورة الـ 44 لموسم أصيلة الثقافي الدولي، على أن النظام التعليمي الفعال والناجع هو حجر الزاوية في أي جهد يسعى الى تحقيق التنمية في الدول العربية.

وأبرز المتدخلون أن فعالية نظام التعليم تساهم بشكل كامل في تحديد آليات مواجهة التحديات المرتبطة بالعولمة وتطور السوق العالمية.

في هذا السياق، قال أستاذ القانون العام والعلوم السياسية امحمد مالكي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن بناء نموذج تعليمي فعال قادر على تحسين وضع الدول العربية على المستوى الدولي.

قال امحمد مالكي، أستاذ العلوم السّياسية بكلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن “سياق التأقلم الخاص بالعرب مع التحولات العالميّة يقتضي التعامل ابتداءً مع مجموعة من الإشكالات التي يجب أن يكون هناك تفكير جماعيّ لحلها”، مضيفا أن “المسألة الأولى هي أن نضع تصورا موضوعيا لبناء المعرفة وتهيئة نموذج ناجح للتعليم في بلداننا بوصفه مفتاح المفاتيح في سبيل هذا التأقلم”.

وأفاد العميد السابق لكلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان أن “المسألة الأخرى هي أن نعمل على تبيئة شروط لحسن الاتفاق بيننا لأجل تدبير أفضل لشؤوننا العامة، فلا بد أن تكون لنا فلسفة جديدة في تدبير الشأن العام قوامها الديمقراطية”، مشددا على “ضرورة وضع حل لإشكالية العلاقة بين الديني والسياسي في مجتمعاتنا، فينبغي أن نخلق علاقة جديدة بين المجالين، حيث لا يستثمر أي منهما الآخر لأغراضه”.

وأوضح مالكي، الذي كان يتحدث ضمن المحور الثاني من ندوة “العرب وأعباء الفراغ الاستراتيجي”، أن “الدين والسياسة في المنطقة بحاجة إلى خيط رفيع يفصل بينهما حتى نستطيع التقدم”، مبرزا أن “علينا أن نشتغل أيضا على ترسيخ ثقافة الاختلاف والتسامح والتعايش وآليات تدبيرها، من خلال توطيد ثقافة المشاركة الديمقراطية”. وتابع “إذا بذلنا جهدا في التعاطي مع هذه الإشكاليات سنحقق أشياء إيجابية”.

وفيما يخص تحقيق النتائج، أكد المتحدث ذاته، الذي يشارك في موسم أصيلة الثقافي الدولي، “على ضرورة إدراك أن الفاعلية تتعايش معها لازمة أخرى هي الكفاءة، فلا توجد واحدة دون أخرى، والأولى إذا لم تحتكم للقيادة كمرادف للكفاءة فلن نستطيع تحقيق أي شيء”، داعيا في السياق نفسه إلى “فسح المجال أمام مختلف الكفاءات، من شباب ونساء وكل فئات المجتمع الحيوية، وتجهيز كل الظروف لاشتغالها وإنتاجها وإدماجها”.

وفيما يتعلق بضبابية السياق الدولي العالمي اليوم، قال مالكي إن “العرب يوجدون في قلب عالم متغير صورته غير واضحة ورمادية لأن هذا العالم يعيش توترات عميقة بحكم بروز قوى جديدة”، مضيفا أن “العالم لا بد أن يتغير من عالم مركزي أوروبي غربي إلى عالم متعدد، ونحن كعرب نحضر بالتأكيد ضمن هذه المعادلة ونستطيع، إن أردنا، أن نتموقع في هذه الخريطة الرمادية حتى نصنع فهما جديدا للعالم ولا نكرر الأخطاء”.

وتابع شارحا “العرب دخلوا القرن العشرين دون تحقيق الإصلاحات التي تحدث عنها الزعماء والمفكرون في القرن التاسع عشر، وغادروا القرن العشرين وهم يتفرجون على العديد من الدول وهي تنتقل نحو الوضع الديمقراطي، فكرسوا الانتكاسة مجددا في الألفية الثالثة”. وأضاف “لا بد من التذكير بأن هذا النقاش يستدعي بالضرورة وفاء فكريا معرفيا وثقافيا وليس سياسيا، حتى نتمكن من فهم التحولات العالمية فهما عقلانيّا، وأن نرجح مصالحنا كعرب”.

ونبه إلى أنه “لا يمكننا الحديث، مع ذلك، عن “عالم عربي” بصيغة الجمع من المحيط إلى الخليج، فهذا تعميم في النقاش لكون العالم العربي عوالم، وكل دولة لها خصوصياتها الخاصة بها، لكن هناك مشتركات، هي التي يجب أن يتم التركيز عليها”، مشيرا إلى “هناك أيضا تفاوتات ولا يمكن على الإطلاق بناء فضاء مشترك بدون بناء الأوطان عبر تثمين خصوصياتها، وتبيئة الشروط المطلوبة للاندماج”.

كما أشار مالكي إلى مشكلة راهنية متعلقة بمسألة “الهوية”، خصوصا بعد بروز خطابات تفكيكية لهذه الهوية في العقود الأخيرة تطرح أسئلة عميقة حول “هل هذا العالم عربي أو غير عربي؟ وما هو العربي بالتحديد؟ وما المقصود بالعروبة، إلخ؟”.

وتابع قائلا: “نحن نتحدث اليوم عن هوية متعددة ومفتوحة ولديها روافد ومصادر متعددة وغير جامدة أو ثابتة، هذه يمكن أن نتحدث عنها لكون “الهوية العربية” مجرد عنصر، وليست هي كل الهوية”.

ومن جانبه، قال مدير مكتبة الإسكندرية، أحمد عبد الله زايد حجاب، إن العالم العربي يواجه تحدي التغيير، من خلال تبني شكل من أشكال الحنين إلى الماضي، وحتى الإحباط، لكنه يحمل آمالا معينة.

وأضاف أن هذا الحنين إلى الماضي المجيد يجب أن يتكيف مع السياق المعاصر ليصبح رافعة قوية لدعم وتنمية الدول العربية.

وجمعت ندوة “العرب اليوم وأعباء الفراغ الاستراتيجي” خبراء مغاربة وأجانب لمحاولة وضع تشخيص وتحليل الوضع العربي الحالي، مع الأخذ في الاعتبار الأحداث الجيوسياسية الجديدة والمعطيات الحالية.

علاوة على ذلك، يهدف هذا الحدث الفكري إلى دراسة وتحليل أعباء الفراغ الاستراتيجي العربي، في ضوء المعطيات الإقليمية والدولية، من خلال ثلاثة محاور رئيسية تتمثل في “العرب والنظام الإقليمي العربي: عوامل التراجع وآفاق الإصلاح”، و”العرب والتحولات الدولية الراهنة: إشكاليات التأقلم ومتطلبات الفاعلية” ، و”العرب والبيئة الإقليمية الجديدة: دول الجوار الجغرافي ومشاريع الشراكة البديلة”.

من بين أبرز المتحدّثين من منصة الندوة، محمد الهادي الدايري وزير الخارجية الأسبق في ليبيا، الذي قال في مداخلته، ”أن الواقع الجديد في الفضاء العربي جاء نتيجة الارتدادات الأخيرة التي يشهدها النظام الدولي، وهنا تكمن ضرورة الاندماج في نظام شرق أوسطي جديد لا نكون فيه أطرافاً منفردة، بل يتم في إطار من التنسيق العربي يخدم المصالح العربية المشتركة، وبدون أن يقترن ذلك بصدام حاد ومفتوح مع بعض هذه الدول الإقليمية الشرق أوسطية“.

لافتا في السياق ذاته، إلى أن النظام الإقليمي العربي القديم الذي بدأ يتهاوى نتيجة ضعف منظمة الجامعة العربية، ينافسه نظام شرق أوسطي صاعد بقوة. وأمام تلك المتغيرات، فإن العرب «ليس أمامهم رفاهية الاختيار»، لا سيما في ضوء تراجع دور الجامعة مما فتح المجال لإعطاء الفرصة للنظام الإقليمي الجديد للإعلان عن نفسه بقوة في إطار ترتيبات جديدة تجري في المنطقة.

وأفاد السّياسي نفسه بأنه وبشكل عام، بات من الصعب الاعتراف بوجود نظام عربي أو إقليمي فعال في وقت تمر فيه المنطقة بحالة فوضى عارمة في عدد من الدول العربية التي شهدت انتفاضات شعبية واحتجاجات وثورات.

وأضاف أنه ”وبنفس القدر، فإن حل الأزمات السياسية التى تشهدها بعض الدول العربية لن يتأتى بغياب عربي عن التأثير والضغط من أجل إنهائها. إلا أن ما نشهده للأسف هو وجود تنافس وانقسام بين الدول العربية المنخرطة في ملفات شقيقاتها الدول العربية المتأزمة. ومن ثم، فإنه لا يمكن الاكتفاء بالتنديد بالتدخلات والمؤامرات الخارجية، إذا استمر الخلاف والتضارب العربي في التعاطي مع هذه الأزمات“.

واعتبر ذات المتحدث، أنه إذا توفر إرادة سياسية وعلى أعلى المستويات لهذه الدول العربية من أجل توحيد مواقفها، بعيدا عن أجندة وحسابات ضيقة كثيرا ما أضرت في السابق بالدول المتدخلة والدول المتأزمة على حد سواء، أدت باستمرار أوضاع التفكك على ما هي عليه، وتفوق الأطراف الدولية والاقليمية على الأدوار العربية وتحجيمها.

وتأسف المتحدث ذاته، للوضع في ليبيا بالقول: “دأبت الدول الغربية الخمس المتدخلة في الأزمة الليبية المتمثلة في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا على الاجتماع أحيانا على انفراد واتخاذ مواقف مشتركة، بينما لم ينعكس هذا التموضع الغربي على الأطراف العربية المنخرطة أساسا في الملف الليبي، واكتفت الأخيرة بالمشاركة عندما تدعى أحياناً الى اجتماعات تشاورية مع هذه الدول الخمس. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل أن وجود خلافات عربية في هذا الملف يعتبر أحد عوامل تعقيد الأزمة الليبية، في حين أن الأمر يتطلب توفر توافق عربي يؤدي إلى إيجاد حلول عربية لهذه الأزمات.

من جانبها، نڤين عبد المنعم أستاذة العلوم السياسية بكلية الاقتصاد بجامعة القاهرة، فسٌرت عدم التأقلم بأنه يعني الجمود “والمطلوب بحسبها هنا هو مسايرة الواقع مع التأثير فيه بمعنى أننا في ظل نظام طامح إلى التعددية التي تفرض التأقلم، ومسألة أن أشارك و أرفض بمعطيات وأتخد مواقف متوازنة تبقى مسؤولية كل دولة، حيث لا يمكن أن أتصور أن تكون فرصة لتشكيل نظام عالمي جديد وأضحي بدعوى أنني لا أريد أن أتأقلم مع هذا الواقع”.

أما بخصوص التحديات التي تواجهها الدول العربية، أوضحت ذات المتحدثة أنه يمكن رصد صراع القوى القديمة (أمريكا وحلفاؤها) و بين الدول الصاعدة، واليوم في هذه الندوة نتساءل كيف يمكن إدارة العلاقة مع القوى المتصارعة بشكل يحفظ مصالح الوطن العربي دون تضحية بين الجانبين، في إطار تشكيل النظام العالمي الجديد.

وفي ذات السياق، قال محمد قواص محلل سياسي وكاتب صحفي، إنه “ولحسن الحظ ربما حرب أوكرانيا أعادت تسليط الضوء على هذه المنطقة بصفتها منطقة جيوستراتيجية مركزية مهمة لكل العالم (الشرق روسيا الصين أو الغرب والولايات المتحدة) وخصوصا منطقة مصدرة للطاقة في العالم.. أعتقد أن الأسئلة التي طرحت خلال الندوة تعني أننا نحتاج إلى أجوبة ولا ندري لكن يجب أن ننتظر ماذا سيحصل في المستقبل”.

وقال قواص، ضمن مداخلته، ”إنه علينا الاعتراف أن هناك مشكلة في كيفية التعامل مع ما يحصل في العالم، كما أننا أُمم وعوالم وليس عالم، ونمثل جزء من هذا العالم ولدينا دور فعال فيه“.

وفي ذات السياق، سجل محمد أوجار وزير العدل الأسبق، الذي كان يتحدث على هامش الندوة الرابعة من موسم أصيلة الثقافي الدولي الموسومة بـ”العرب وأعباء الفراغ الإستراتيجي”، أنه لا يؤمن بوجود “نظام إقليمي عربي”، مبرزا أن “الصراعات التي تعيشها الدولة والشعب الليبيين يتحمله الأشقاء العرب، ما لا يتيح إمكانات الحديث عن الانتماء إلى نظام عربي إقليمي مفترض”.

وتابع قائلا:“والجار الجزائري يقدّم مثالا حيا لعدم وجود هذا النظام، بتعبئته كل طاقاته لتدمير المملكة المغربية، فالجزائر حين استضافت قمة جامعة الدول العربية، تحت شعار الوئام العربي، تبين أنهم حين كانوا يخطبون في هذه القمة كانوا يخططون أيضا للمناورات وللدسائس لضرب استقرار المملكة المغربية”.

وقد شارك في إنعاش الندوة الرابعة من موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ44، عدد من الشخصيات السياسية الدولية، من بينهم وزراء عرب، وكبار مسؤولي المراكز الدولية.