بن عيسى يسلم جائزة “محمد زفزاف” للروائي اللبناني “رشيد الضعيف”

تسلم الروائي اللبناني “رشيد الضعيف”، مساء اليوم السبت 21 أمتوبر الجاري، درع وشهادة جائزة “محمد زفزاف” للرواية العربية، في دورتها الثامنة،  وذلك ضمن الدورة الرابعة والأربعين لموسم أصيلة الثقافي الدولي، المنظم تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، في احتفالية ثقافية كبيرة، ترأسها الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، محمد بن عيسى، وشهدت حضور عدد من المثقفين والأدباء والنقاد المغاربة والعرب.

وترأس لجنة التحكيم التي منحت الجائزة للروائي اللبناني، الناقد المغربي الدكتور سعيد يقطين، وضمت في عضويتها الروائيين والأكاديميين: شكري المبخوت (تونس)، سعيد بنكراد (المغرب)، كاتيا غصن (لبنان)، حبيب عبد الرب سروري (اليمن)، حسن بحراوي (المغرب)، بالإضافة إلى محمد بن عيسى الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة.

وقال الناقد المغربي، شرف الدين ماجدولين، إن القصد من الجائزة هو أن تربط المغرب وإبداعه بعمقه العربي وأن تربط أيضا رائده في القصة والرواية محمد زفزاف بالعالم العربي.

وزاد مبينا:”نعرف دائما أن من أدوار الجوائز هو أن تحفز المبدعين وأن تحتفل بالأعمال والتجارب التي لها بصمتها ومكانتها وسط القراء العرب”.

وأشار ماجدولين إلى اهتمام جائزة محمد زفزاف منذ  دورتها الأولى بخيرة الروائيين العرب، من ضمنهم الروائي السوداني الطيب صالح والمغربيين احمد المديني ومبارك ربيع والسوري حنا مينا، والتونسي حسونة المصباحي، بتسليطها الضوء على مسارات وأسماء صنعت جزءا من مجد المشهد الثقافي العربي.

 

هذا وقد الناقدة والأستاذة الجامعية اللبنانية، كاتيا غصن، برشيد الضعيف، لكونه صوتا متميز على الساحة الأدبية العربية واللبنانية، بمشواره الروائي الطويل والغزير، ذي الأوجه المتعددة، استمد كتاباته من عناصر الرواية التاريخية في بعض أعماله، لينتقل للرواية الميثولوجية.

وأضافت غصن:”في كتاباته خصائص عديدة، يتعمد ألا يدخل الرواية من باب السرديات والقضايا الوطنية الكبرى، كتابته تغوص في الذات الجماعية للثقافة والتراث العربي. لغته مصقولة تبتعد عن البلاغة والأسلوب الرنان، تتمتع بالسهل الممتنع، هي وليدة عمل دؤوب”.

وأثنى الكاتب اليمني، حبيب عبد الرب، على نقاشات موسم أصيلة الثقافي الدولي التي تعد في منتهى الشفافية، مبديا إعجابه بدور مؤسسة منتدى أصيلة، حيث يبدو واضحا أن هناك تجربة قديمة وعتيقة، فكانت الدقة والتميز، واستحق الضعيف الجائزة بجدارة.

 

أما الناقد والأستاذ الجامعي المغربي وعضو لجنة تحكيم الجائزة، حسن بحراوي، فتحدث عن خلفيات إحداث الجائزة التي بلغت دورتها ال20، والفكرة التي طرحها بن عيسى وكان زفزاف حينها على قيد الحياة.

بدوره، أشار الروائي والأكاديمي التونسي، شكري المبخوت، إلى أن الجائزة مستحقة للضعيف، باعتبارها جاءت لتتوج 40 عاما من الكتابة السردية بنسق حثيث، إذ يصدر رواية كل سنتين.

وقال المبخوت:” من حسن حظي أني قرأت جميع رواياته، إلا روايته التي لم تصدر أخيرا”، مشيرا إلى أن كتاباته تشمل عناية دقيقة بالتفاصيل اليومية وبظلال الظواهر والتباينات التي جعلته يكتب كتابة متقشفة بها بلاغة جديدة لا بد من الانتباه لميزتها، بقضايا كبرى تكمن في التفاصيل، وهو دور الرواية أن تفيدنا بوجودنا وحياتنا اليومية بطريقة فنية، وكلنا أمل في أن يتواصل إنتاج الضعيف الغزير وإسهامه المهم في الرواية العربية”.

 

من جهته، ذكر الناقد والمترجم والأستاذ الجامعي المغربي، سعيد بنكراد، أن منتدى أصيلة كان سباقا للاحتفال بالأسماء الثقافية العربية، لافتا إلى أن تجربة الضعيف الروائية تهم بناء عالم الكلمات التي تأتي طيعة لكن الإتيان بها يترجم تمكنه بشكل كبير لدرجة تناول التفاصيل، عن طريق الربط بين القضايا الكبرى والتفاصيل.

وأضاف بنكراد: “من لا يستطيع أن يلتقط تفاصيل الناس لا يمكنه أن يتبنى القضايا الكبيرة”، مشيرا إلى إجماع لجنة التحكيم على كون الضعيف يستحق الجائزة ويشرفها.

 

وقال المحتفى به:”حين اتصل بي القائمون على الجائزة ليخبروني بقرارها سررت كثيرا، سرني أن تستحق الجهود التي أقوم بها في المجال الروائي هاته الجائزة وهذا  التكريم والاعتراف، وقد عانيت حتى ألبي تمنيهم علي بعدم نشر الخبر قبل إعلانه رسميا، لكني لم أنجح تماما لأني بحت به لبعض الأصدقاء”.

وزاد مبينا:”الجائزة حافز وبقدر ما يرقى مستواه وتشتد جديتها تصعب المسؤولية التي تلقيها على كاهل مستحقها”.

وتناول الضعيف ملاحظات بخصوص ممارسته لكتابة الرواية، مؤكدا أن الممارسة السائدة في الرواية والسينما والمسرح هي أن يكون الفن في خدمة الحقيقة التي قد تكون قضية الطبقة العاملة أو المرأة أو الأمة، تنقل صورة عن الواقع الذي يتلذذ  في النقد عامة.

وأبرز الضعيف أن الرواية تفنن وصولي لذا سعى لتوظيف ما اعتاد الناس على تسميته بالواقع أو الحقيقة في خدمة الحقيقة وليس العكس، مبينا:”الواقع عندي يجب أن يكون في خدمة الرواية، أظن أن هاته الحال الإبداعية في كل الفنون، وإلا كيف نفهم قول العرب “أجمل الشعر أكذبه”، وأضاف:” الكذب هنا هو تجاوز الواقع الخيال والحرية والتحرر من منطق الواقع وسياقاته والمفاهيم السائدة فيه، فحين نكتب بحرية نتحرر من ثقل الموروث وتذهب كتاباتنا لما هو إنساني، لتكون الفنون مشاركة للعلوم في إنتاج المعرفة، وهكذا نعطي وجودنا ككتاب بعض المعنى، هذا هو الأثر الذي أحلم بتركه”.

واستعرض الضعيف تيمات رواياته والتي شملت الحرب الأهلية في لبنان، و الحداثة والتقليد والهوية والقدر.

 

وقال الضعيف:”كثيرا ما استعملت في كتابتي ضمير المتكلم، وهو ما سئلت عن سببه، والأمر مرده إلى المكان الذي أعيش فيه عادة وحضور وجداني بقوة، أشعر بنفسي ممتدا إلى جميع البشر وأنني هنا وهناك، نعم قد يحوي ضمير المتكلم البشر جميعا، وأن يكون في محله من البناء العام للرواية”.

وسجل الضعيف أن كتاباته تتراوح بين طرفين، وهما الرواية الدنيا التي كتبها بطريقة قريبة من التداول لا تقرأ في الحيز العام ولا تعتد بها الجموع، مضيفا:”روايتي ألواح سيرة في زي رواية، أو رواية في زي سيرة، وهو ما أحب إتقانه، لكنني فيها أذهب بعيدا في كشف مسلمات أساسية تحكم حياتنا في مساءلة لمبادئ أخلاقية يتأسس عليها سلوكنا الفردي والجماعي، أسائل الأمومة والأبوة والإخلاص والوطنية والبراءة والجهل والمعرفة والإلحاد وأعيد النظر في مسلمات تحدد منظورنا للعالم، والطرف الثاني يشمل الرواية الفصحى التي كتبتها بلغة مليئة بحالات ثقافية وجعلت اللغة فيها شخصية وموضوعا من موضوعاتها وما بين هاتين الطرفين تراوحت أعمالي”.

 

وأفاد الضعيف:”اتضح لي في الحرب بلبنان أن اللغة تجري كما تشاء ولا علاقة لها  بالواقع، تقرؤه على هواها، واتضح لي أننا أدوات لكائن بهيمي غامض جبار هو التاريخ، يستعمل اللغة أيضا كأداة من أدوات التاريخ”.

وشدد المحتفى به على فقدان ثقته بالمفاهيم والمصطلحات التي اعتمدها لفهم الواقع والتاريخ وتحديد الهدف في الحرب، فكانت عودته للأدب الذي شكل خير أداة لما هو محتاج إليه.

وأوضح الضعيف أن الحرب أظهرت أن الشر ليس له قرار وأن الإنسان له طاقة على الشر لا توصف، وأن العداء شعور ضروري للناس وأن الإنسان إذا علم العدو أخرج من نفسه عدوا ليكرهه، حيث علمته الحرب أن الفنون مرتبطة بالشر والألم والأوجاع والمآسي، وكان من هذا الأثر أنه كتب بحرية، التي لها المسؤولية الكبرى لأنها قد تودي إلى الهلاك أو نيل جائزة محمد زفزاف للرواية العربية.

من جانبه، أعرب بن عيسى عن سعادته بالاحتفاء بالضعيف الذي يمثل إنسانا مختلفا ككاتب وروائي ومبدع يرى الأمور بعينين مختلفتين.

وأعلن بن عيسى عن البدء في التفكير في اسم الفائز بالجائزة في دورة الموسم المقبلة، مقدما شكره لأعضاء اللجنة ممن قاموا بجهد كبير، يعود الفضل فيه لرئيس لجنة التحكيم، الإنسان الكفء في مجالات الرواية والفنون والذي يعتبره قائده وبصيرته وهو من يدل على مكان الزهور والورود.